أخبار محليةتقارير وتحليلات

حرب من الجنوب.. هل يمكن للحوثيين حقا ضرب إسرائيل؟

المصدر قناة الجزيرة

“عيوننا مفتوحة للرصد الدائم والبحث عن أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب تحديدا وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية”.

 

 

 

كان هذا ما قاله زعيم الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي في كلمة بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد مؤخرا، هذا النوع من التصريحات شائع، لكنه هذه المرة لفت انتباه الإسرائيليين والأميركيين بعد ما حصل خلال الفترة القليلة السابقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

 

 

 

فمنذ ذلك التاريخ، شنَّت حركة الحوثي عدة هجمات صاروخية استهدفت إسرائيل تزامنا مع عملية “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، باستخدام صواريخ كروز والصواريخ الباليستية، وهما نوعان متمايزان من الصواريخ، الأول يتبع مسارَ طيرانٍ موجَّها على ارتفاع منخفض نسبيا، فيمكنه التنقل حول العوائق والتضاريس، والثاني يتبع مسارا مقوسا، يصعد لارتفاع كبير في البداية ثم يهبط نحو الهدف.

 

 

 

وصلت صواريخ الحوثيين إلى جنوبي إسرائيل، تحديدا ميناء إيلات، وهو ما أثار انتباه المخططين العسكريين والسياسيين في الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، حيث يتطلب استهداف تلك المنطقة أن تسافر الصواريخ قرابة 1800 كيلومتر شمالا من اليمن على طول البحر الأحمر، تزيد أو تنقص بحسب جهة الضرب.

 

 

 

تم التصدي لمجموعة من تلك الصواريخ عبر منظومة1 “آرو-3” التي استُخدمت لأول مرة في هذه المعركة، وتطلق المنظومة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويمكن أن تضرب أهدافا خارج الغلاف الجوي، بمدى يصل إلى 2400 كيلومتر، إلى جانب ذلك أسقطت المدمرة “يو إس إس كارني” الأميركية المُتمركزة في البحر الأحمر أربعة صواريخ كروز وعدة طائرات بدون طيار أُطلقت من اليمن باتجاه إسرائيل. على أثر ذلك أعلن الحوثيون عن تمكنهم من إسقاط مسيرة أميركية من النوع “إم كيو 9 ريبر” في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني.

 

 

 

لفت ذلك الانتباه إلى عرض عسكري كبير للحوثيين في 21 سبتمبر/أيلول الماضي لم يكن أحد ليعرف أنه سيكون محل اهتمام الباحثين في هذا النطاق بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، حيث كشف الحوثيون خلاله عن قدرات جديدة في ترسانتهم من الصواريخ والمسيرات القادرة على ضرب أهداف بعيدة، وهو ما يعني أن العديد من المناطق والأهداف صارت في مرمى صواريخ الحوثي، فقط إذا قررت الجماعة استخدام ترسانتها ضد هذه الأهداف.

 

 

 

صاروخ طوفان

 

 

 

أول هذه الصواريخ، التي يُعتقد أنها شاركت في الضربة على دولة الاحتلال، هي صواريخ “طوفان” الباليستية متوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1350-1950 كيلومتر، التي تشبه في تصميمها صواريخ “قدر” الإيرانية، يُعتقد أن لديها مرحلة أولى تعمل بالوقود السائل، ومرحلة ثانية تعمل بالوقود الصلب، مما يسمح لها بمدى كبير، طول الصاروخ نحو 16 مترا، وعرضه نحو متر ونصف.

 

 

 

تعمل الصواريخ الباليستية وفق مبدأ بسيط وهو إطلاقها في مسار قوسي، يخرج خارج الغلاف الجوي ثم يعود مجددا إلى الأرض لضرب الهدف، في مسار محدد مسبقا (ما يسهل نسبيا التنبؤ بمساره واعتراضه)، وما إن يصل حتى يطلق الصاروخ حمولته. يمكن إطلاق هذا النوع من الصواريخ من منصات متنوعة مثل منصة أرضية أو غواصة أو صومعة، وفي حالة صاروخ “طوفان” فإنه ينطلق من منصة أرضية متنقلة، يمكن أن تكون جاهزة للعمل خلال 30 دقيقة فقط.

 

 

 

صُمِّم هذا الصاروخ حاليا لحمل رأس حربي تقليدي ولكنه قادر على التسلح برأس حربي كيميائي أو نووي أيضا بوزن يصل إلى نحو 800 كيلوغرام، نلاحظ أن مقدمة الصاروخ مخروطية مدببة تجعله يشبه قنينة الرضاعة، يسمح ذلك للرأس الحربي بالدخول مرة أخرى إلى الغلاف الجوي بسرعة أكبر، ويمكِّن الرأس الحربي من القدرة على الانفجار في الهواء فوق هدفه. إذا تمكن الصاروخ من الوصول إلى هدفه، فإن نسبة الخطأ في مكان الضرب المحدد تكون ضمن دائرة قطرها 80-100 متر2.

 

 

 

تطور الترسانة الصاروخية

 

 

 

يمتلك الحوثيون أيضا صواريخ “كروز” من طراز “قدس”، وتتوافر نسخ عدة من هذه الصواريخ، بعضها يبلغ مداه نحو 1650 كيلومترا، ويُعتقد أنها ما تمكنت “يو إس إس كارني” من استهدافه3، وعموما، فإن الحوثيين يحدّثون مدى ترسانتهم الصاروخية بسرعة، ولنتأمل خطَّ سيرٍ زمنيا قصيرا من 2015 وحتى الإعلان عن “طوفان” مؤخرا، فمثلا في 2015 أعلن الحوثيون عن إصدار صواريخ “قاهر-1” و”قاهر-إم 2″، وهي تنضم إلى عائلة من صواريخ أرض-جو السوفيتية من النوع “سام في 755” المعدلة لمهام الهجوم الأرضي، يمكن لهذه الصواريخ أن تصل إلى مدى 250-400 كم.

 

 

 

أما صواريخ “بركان 1” فأُعلِن عنها في 2016، ومن المرجح أنه نسخة معدلة من صاروخ “شهاب-1” الإيراني بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، تلاه “بركان 2 إتش” الذي كُشف عنه في 2017، وهو صاروخ باليستي قصير المدى مشتق من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه ألف كيلومتر، وفي سبتمبر/أيلول 2023 عُرِضَ مشتق آخر من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه أيضا ألف كيلومتر، الذي أُطلق عليه اسم “عقيل”.

 

 

 

ومنذ 2019، أعلن الحوثيون عن امتلاكهم صواريخ4 “بركان 3″، وكان الصاروخ الأطول مدى في ترسانة الحوثيين (قبل ظهور “طوفان”) متخطيا حاجز 1200 كيلومتر، ويُعتقد أنه استُخدم لأول مرة في 1 أغسطس/آب 2019 حيث زعم الحوثيون استخدامه لضرب موقع عسكري سعودي في الدمام، يقع على الساحل الشرقي للبلاد على بُعد نحو 1200 كيلومتر من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

 

 

 

مسيرات الحوثيين

 

 

 

كل هذا وبالطبع لم نتحدث عن ترسانة الحوثيين من المسيرات الجديدة، التي تتنوع في استخداماتها من الرصد والاستطلاع إلى القتال والضرب وأداء المهام الانتحارية، مثل طائرات “صماد” بأنواعها التي تشبه طائرات “شاهد” الإيرانية، ويتنوع مداها بين 1200 كيلومتر و1700 كيلومتر، بدأ الحوثيون في نشر هذه المسيرة في منتصف عام 2018.

 

 

 

يُعتقد أن الحوثيين استخدموا هذه المسيرة في هجومهم في أغسطس/آب 2019 على حقل الشيبة النفطي في المملكة العربية السعودية، كما أعلنوا استخدامها في هجوم نفته السلطات الإماراتية على مطار أبو ظبي الدولي في يوليو/تموز 2018.

 

 

 

أعلن الحوثيون كذلك عن المُسيرة “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر. بشكل خاص، تشبه “وعيد” المسيرة الإيرانية “شاهد 136″، صُمِّمت لمهاجمة أهداف أرضية من مسافة بعيدة بوصفها مسيرة انتحارية ما إن تصل إلى الهدف حتى تفجر نفسها فيه، وتُطلَق على دفعات تتكون من خمس مسيرات أو أكثر لإرباك الدفاعات الجوية عن طريق استهلاك مواردها.

 

 

 

بطول نحو ثلاثة أمتار ونصف، وعرض نحو مترين ونصف، تتميز المسيرة5 بجناح على شكل مثلث قصير، مندمج في جسم الطائرة المركزي، وتحتوي المسيرة في مقدمتها على رأس حربي يقدر وزنه بـ30-50 كغم، بينما يقع المحرك في الجزء الخلفي من جسم المسيرة ويُدار بمروحة دافعة ذات شفرتين. الدور الرئيسي لهذه المسيرة هو مهاجمة الأهداف الأرضية الثابتة، التي تكون إحداثياتها معروفة، وهي غير فعالة ضد الأهداف المتحركة.

 

 

 

خطر بحري

 

 

 

إلى جانب ذلك، فإن القوات البحرية التابعة للحوثيين تمتلك أدوات جديدة، حيث عرضت قبل عام واحد زوارق قتال من أنواع “عاصف” و”ملاح” ومؤخرا “نذير” التي تمتلك القدرة على حمل أسلحة متوسطة وخفيفة ويمكنها إطلاق صواريخ كاتيوشا 107 ملم، التي إما تكون تدميرية وإما حارقة، ويمكن لبعضها حمل أنظمة دفاع جوي، وتُستخدم لضرب السفن والسيطرة عليها، إلى جانب ذلك يمتلك الحوثيون قوارب ذاتية القيادة لأغراض القتال والاستطلاع البحري.

 

 

 

أعلن الحوثيون كذلك عن امتلاكهم ألغاما بحرية من أنواع “مسجور” و”ثاقب” و”كرار” و”مجاهد” وغيرها، وعلى اختلاف أنواعها فإن الألغام البحرية عبارة عن جهاز متفجر قائم بذاته يوضع في الماء لإتلاف أو تدمير السفن السطحية أو الغواصات، تُوضع الألغام على أعماق متنوعة في الماء، وتُفعَّل عند استشعار قدوم سفينة ما، ولكل نوع عمق محدد وآلية تفعيل.

 

 

 

وإلى جانب ما سبق، يمتلك الحوثيون صواريخ روبيج6، وهو نظام روسي للدفاع الساحلي، يستخدم صواريخ “كي إتش – 35 يو آي” المضادة للسفن، ويصل مداها إلى 260 كيلومترا، وتعمل بتقنية القشط البحري، أي إنها تسافر بالقرب من سطح الماء لتجنب الرادار، ويحمل الواحد منها رأسا حربيا شديد الانفجار يبلغ وزنه 145 كغم صُمِّم ليخترق الحواجز والمقصورات أفقيا قبل أن ينفجر داخل السفينة.

 

 

 

شمل عرض الحوثيين أيضا نسخا جديدة من الصواريخ الموجَّهة ضد السفن7 مثل “تنكيل”، إلى جانب أنواع أخرى مثل “حاطم” و”فالق” و”صياد”، وهي صواريخ مجنحة مجهزة بباحث راداري أو حراري، بمدى مجمل من 200-400 كيلومتر، وجميعها يشبه صواريخ إيرانية لها المواصفات نفسها، كذلك فإن العرض شمل صواريخ كروز للهجوم الأرضي من طراز “قدس 4” التي يمكنها الاشتباك مع الأهداف البرية والبحرية، وتُعد جزءا من عائلة صواريخ كروز التي طورتها إيران بمدى يبلغ 800 كيلومتر.

 

 

 

جبهة جديدة

 

 

 

مما سبق نستنتج أن الحوثيين يطورون من ترسانتهم العسكرية خاصة في نطاقين، وهما مدى الصواريخ، والإمكانات البحرية، ومن المؤكد أنهم يمتلكون الآن القدرة على الوصول إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الصواريخ أو المسيرات الانتحارية، إلى جانب قدرتهم على استهداف أية سفن تمر قبالة اليمن في البحر الأحمر.

 

 

 

لكن رغم ذلك، فإن الصواريخ الحوثية ليست بالدقة الكافية، ورغم مداها المتسع فإنه يمكن اعتراضها بدرجة من السهولة نسبيا، لكن هذا لا يحيد خطر الحوثيين على إسرائيل أو الولايات المتحدة، لسببين رئيسيين، الأول هو أن ترسانتهم تتطور بسرعة، والثاني أنها تظل تُمثِّل خطرا كبيرا حتى مع قدراتها الحالية، ويمكن لها استنفاد الكثير من موارد الدفاع الجوي الإسرائيلي، خاصة مع الفارق الكبير في تكلفة تصنيع المسيرات مثلا مقابل الصواريخ الاعتراضية. يفتح ذلك جبهة جديدة لم تكن متوقعة جنوبي جزيرة العرب، على مسافة بعيدة من مركز الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار