اخبار المحافظات

دراسة حديثة تحذر من أخطر كارثة تتهدد اليمن

حذرت دراسة اقتصادية حديثة من تعرض اليمن لكارثة خطيرة بسبب ندرة الموارد المائية، معتبرة أن ندرة الموارد المائية وسوء إدارتها من أبرز التحديات التي تواجه اليمن حاضرا ومستقبلا كون اليمن تقع ضمن مناطق المناخ الجاف وشبه الجاف، وتعد الأمطار المصدر الرئيسي للمياه وتتفاوت من موسم إلى آخر.

وأكدت الدراسة التي أعدها الخبير الاقتصادي البارز الدكتور مطهر العباسي أن “اليمن تواجه عجزاً كبيراً في الموارد المائية، بسبب تنامي الاستهلاك السنوي من المياه والذي يؤدي إلى استنزاف المخزون المائي، ومما يزيد من مشكلة المياه هو الحفر العشوائي للآبار وسوء الأساليب والطرق لاستخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية وغيرها، فضلاً عن ضعف المنظومة المؤسسية والتشريعية المتعلقة بحماية وإدارة الموارد المائية، وتشكل شحة المياه قيداً رئيسيا على النمو والتنمية في الزراعة وبقية القطاعات الاقتصادية، وتهديداً خطيراً لاستدامة وسلامة السكان”.

وأشارت الدراسة إلى أنه “وخلال الفترة 1995-2014، بذلت الحكومات المتعاقبة جهودا طيبة في معالجة التحديات التي تواجه قطاع المياه، فقد تم اتخاذ العديد من الإجراءات لوضع الأطر المؤسسية والتشريعية لقطاع المياه، حيث تم إنشاء الهيئة العامة للموارد المائية عام 1995، وصدر قانون المياه لعام 2002، كما إنشئت وزارة المياه والبيئة في عام 2003، وتبعها إنشاء المؤسسات المحلية للمياه والصرف الصحي في المحافظات، وأقرت الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه عام 2005، إضافة إلى ذلك حظي قطاع المياه باهتمام كبير في خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال تلك الفترة، وأعطيت الأولية لمشاريع المياه التنموية في التمويل من الميزانية العامة أو من الجهات الدولية المانحة مثل البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والحكومة الألمانية وغيرها، وتلك الجهود أثمرت في تحسين خدمات إمدادات المياه الصالحة للشرب، لكنها أخفقت في الحفاظ على الموارد المائية المتجددة في مناطق الأحواض المائية الجوفية بالبلاد”.

تداعيات الحرب على قطاع المياه

كما لفتت الدراسة الى أنه و”خلال سنوات الحرب، واجه قطاع المياه دمارا كبيرا طال بنيته التحتية من محطات ومرافق عامة وخاصة، كما أن الحرب أدت إلى زيادة معاناة السكان في الحصول على المياه المأمونة والصالحة للشرب، فوفقا لتقرير المراجعة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2024، فإن 20.4 مليون شخص لا يستطيعون الوصول إلى الكميات الكافية من المياه لتغطية الاحتياجات الأساسية اليومية، بما فيها الشرب والغسل والطبخ، كما أن تقرير البنك الدولي عن التقييم المستمر للأضرار والاحتياجات في اليمن لعام 2020، بين أن قطاع المياه والصرف الصحي يحتاج إلى حوالي 2.5 مليار دولار لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار في المدن والمحافظات المتضررة من الخراب والدمار”.

ونوهت الدراسة إلى أن” الحرب كان لها تأثيرات أخرى تمثلت في عجز كل من سلطات صنعاء وعدن في إدارة الموارد المائية وضعف الرقابة عليها مما أدى إلى إنتشار ظاهرة الحفر العشوائي للآبار الجوفية في معظم الأحواض المائية الممتدة من عدن مرورا بذمار وصنعاء وعمران وصعدة، مسببة إستنزافا جائرا للمياه الجوفية والتي تمثل مخزونا استراتيجيا وقوميا لأجيال الحاضر والمستقبل، فقد بلغت آبار الضخ من المياه الجوفية أكثر من 100 ألف بئر، معظمها حفرت بدون ترخيص وبشكل عشوائي في كل مناطق الأحواض المائية، كما أدت الحرب إلى زيادة تكاليف المياه الصالحة للشرب بسبب تدهور سعر الصرف وإرتفاع أسعار المشتقات النفطية، ومعظم العبئ والمعاناة تحملها الفقراء ومحدودي الدخل في كل من الحضر والريف، وصاحب ذلك انتشار استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل مضخات المياه من الآبار الجوفية، مما زاد من استنزاف المخزون المائي في عدد من المناطق، حجة وصعدة وعمران، مثالا”.

اقتصاديات المياه

واعتبرت الدراسة إلى أنه و”خلال عقد من الزمن، ألقت الحرب بظلالها على القضايا والتحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد اليمني، مثل النمو السكاني المتصاعد وشح المياه في الحضر والريف وتدني مستوى البنية التحتية وضعف الموارد البشرية المؤهلة. وتبرز مشكلة المياه كتحدي وجودي للإنسان والحيوان والنبات، فتوفر المياه يعتبر شرطا لازما وضروريا لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي وللنمو الاقتصادي بشكل عام، كما يعتبر عاملا مهما في زيادة مستوى التشغيل والحد من البطالة والفقر” منوهة إلى أنه أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأسرة الدولية حتى عام 2030، تضمنت الهدف السادس، الذي ينص على “ضمان توفر المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارة مستدامة”، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة السكان الذين يحصلون على إمدادات مياه الشرب المأمونة “غير الملوثة” تبلغ حوالي 36% من إجمالي السكان، مع تباين كبير بين الحضر والريف، كما تبين التقديرات أن نصيب الفرد في اليمن من المياه المتجددة تبلغ (60) متر مكعب سنويا، متراجعا بمقدار النصف عنما كان قبل عقدين من الزمن (120 متر مكعب سنويا)، وهو أقل بكثير من حد الندرة المائية المحدد دوليا عند (1000) متر مكعب للفرد في السنة، وما يزيد من خطورة الأمر، أن اليمن يعاني من الحجم الكبير للعجز المائي، حيث أن المياه المستهلكة أو المسحوبة من المياه الجوفية (5.1 مليار متر مكعب سنويا) تفوق بكثير الموارد المائية المتجددة (2.5 مليار متر مكعب سنويا) مسببة عجزا مائيا سنويا يقدر بحوالي 2.6 مليار متر مكعب، ويقع معظم العجز المائي في حوض صنعاء ثم أحواض صعدة وعمران، وحاليا يصل عمق الأبار في بعض تلك المناطق إلى قرابة 1500 متر، وهذا له أثار كارثية على معيشة الناس واستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي حاضرا ومستقبلا”

القات والمياه

وأشارت الدراسة إلى أن “القات يمثل الكابوس المخيف للتنمية الزراعية في الريف اليمني، فخلال العقود الخمسة الماضية تزايدت مساحة زراعة القات حوالي 25 ضعفًا، وأصبحت تشكِّل قرابة 15-20% من إجمالي الأراضي الزراعية، وتتضاعف تلك النسبة في الأراضي المروية، كما أنّ الإنتاج تضاعف بالمقدار نفسه أو أكثر، ومن جانب آخر، يستهلك القات أكثر من 35% من الاستخدامات الزراعية للمياه، وتواجه الأحواض المائية خطر نضوب المياه الجوفية، بسبب الحفر العشوائي والضخ المستمر للمياه لزراعة القات، ممّا يُنذر بكوارث بيئية، حاضرًا ومستقبلًا”.

وحذرت الدراسة من أن “استمرار تأثير نقص المياه في العديد من المناطق سيقود إلى تراجع إنتاج الغذاء وضنك العيش، بما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى اندلاع صراعات بين السكان بسبب نقص الموارد، لتبدو المياه عنصرًا حاسمًا ليس فقط للحياة، بل للاقتصاد و”السلم المجتمعي”.معتبرة أنه وبسبب ارتفاع معدل النمو السكاني في اليمن، فإن عدد السكان قد يتضاعف خلال العشرين عامًا القادمة، وفي ظل تراجع الموارد المائية المتجددة بشكل مخيف، أصبح لزاما على السلطات في كل من صنعاء وعدن وعلى السلطات المحلية في المحافظات وضع وتنفيذ إجراءات صارمة للحد من الاستنزاف الجائر للمياه في مناطق الأحواض المائية على امتداد الخارطة اليمنية”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار