ساحة حرة

على هامش زيارتي للبلاد .. العلب-المدرسة

كتب/ أحمد محمود مثنى

تعريف :
العلب هو شجرة ( السدر ) المشهور بعسله الفاخر ، غالي الثمن والغني بقيمته الغذائية والدوائية ، وهو أيضا شجرة الدوم .
_______
كنا ونحن أطفال صغار في سن الدراسة ، ليس لنا مدرسة نتعلم فيها في منطقتنا الريفية ” دبسان ” بردفان ، فيمابعد استقلال بلادنا عن الإحتلال البريطاني بفترة وجيزة ، في زمن بدأ فيه الأهالي بجهودهم الذاتية ببناء أول مدرسة ابتدائية ، وذلك في العام الدراسي 69 _ 1970م ، وهو العام الذي بدأت فيه الدراسة مع عدد من زملائي الأطفال تحت الأشجار ، وكان لشجرة العلب _ المنشورة صورته ضمن المقال _ الدور الأكبر والوقت الأكثر من دراستنا ، فالفصل الأول من ذلك العام الدراسي درسناه برعاية وتربية وتدريس الإستاذ الأبيني الفاضل طيب الذكر والذكرى/ محمد علي يحيى – رحمة الله عليه – تحت ظل ذلك العلب في بطن الوادي ( أسفل وادي دبسان ) ، قبل أن ننتقل إلى مدرستنا بعد اتمام بناءها .
وحيث أن لهذا ” العلب ” فضل كبير علينا – نحن من درسنا تحت ظله – وتكأت سبورتنا بجذعة الكبير ، فأنه من الواجب علينا عدم تجاهل أو نسيان ذلك الفضل الكبير – ولو كان المتفضل علينا شجرة – .
لذلك حرصت في زيارتي هذه إلى البلاد ، على زيارة ذلك المكان وتفقد حال تلك الشجرة العريقة ، التي وجدتها مازالت صامدة تصارع تقلبات الزمن وتحكي حكاية جيل تعلم في كنفها وتحت ظلها .. التقطت لتلك الشجرة ” العلب ” بعض الصور وتصورت بجانب جذعه الكبير وكأني به وهو يناجيني ويهمس في اذني قائلًا :
مرحبًا بك أيها الحافظ للجميل بعد هذا الفراق الطويل ، أين زملائك الذين درسوا معك تحت ظلي ؟ لماذا لم يأتوا إليّ مثلك ؟ هل نسوا أو تناسوا فضلي عليهم ؟ ألم يعلموا أن لنا – نحن الأشجار – مشاعر وأحاسيس مثلكم ؟ غير أننا لا نستطيع التكلم ولا التعبير عن مشاعرنا !
أشكرك ياصغيري – فأنت مازلت في نظري صغيرا – ، مثلما كنت وأنت تدرس تحت ظلي .. أسعدتني بزيارتك هذه وأشعلت في ثنايا كياني لهيب الشوق والحنين لتلك الأيام حينما كان حالي معكم كحال طائر عملاق يبسط جناحيه العظيمين ليغطي ويحمي بهما فراخه الصغار ، فأنتم كنتم بمثابة فراخي الصغار !
لقد أعدت إلى روحي بعض من بهجتي وعنفوان حياتي بعد هذا الحال الذي صرت إليه .. الا ترى كيف ضعفت حيوتي وانكفئ اخضراري ورونقي ، بل وماتت بعض فروعي واغصاني !
فسلام عليك وسلام على كل زملائك أينما كانوا أحياء وميتين .
هكذا استشعرت حاله وقرأت مقاله وخيّلَ إليّ أنه يمد يده نحوي مصافحًا ومستبشرًا بقدومي ، بل خيّلَ إليّ أنه يحتضنني احتضان المفارق لحبيبه الذي عاد من بعد فُراق .. وقفت تحته مليًا وأنا استذكر حالنا في تلك الأيام والعبرات تملأ نفسي ، ثم ودعته والدمع يفيض من عيناي حزنًا ولوعةً واشتيقاقًا لذلك الزمن ، ودعته وأنا لاأدري هل سأراه مرة أخرى ، أم أنه الوداع الأخير !

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار