مقالات

الجنوب نحو استراتيجية إعلامية ومنظومة ثقافية تخضع للعمل المؤسسي

كتب – محمد مرشد عقابي:

على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يمر بها شعب الجنوب الأبي، وهي نتاج سياسات الحصار والتضييق الاقتصادي التي تمارس بحقه من قبل حكومة معين عبدالملك، وبالرغم من توقف المرتبات إلا أن الشعب الجنوبي العظيم ضرب ويضرب أروع الأمثلة في الصمود والثبات والتلاحم وتماسك الجبهة الداخلية، واستطاع بإيمانه بعدالة قضيته مواجهة أعتى المؤامرات اعتزازاً بهويته الوطنية والقومية، الأمر الذي أصاب قوى الغزو والاحتلال اليمنية الطامعة لإحتلال واستباحة أراضيه باليأس والإحباط من تحقيق أي انتصار يذكر في أرض الجنوب خلال مدة تتجاوز 7 أعوام، ولهذا لجأت تلك القوى وعملائها وأذنابها إلى الحرب الناعمة والنفسية، لتفكيك الجبهة الداخلية الصلبة والمتماسكة والنيل من تلاحم وصمود أبناء هذا الشعب العربي الحر، عبر نشر الخزعبلات والإشاعات والترويج للأباطيل والإفتراءات الهدامة والتي تحمل شعارات براقة وتهدف بشكل خبيث إلى مسخ العقول وتمزيق الهوية الوطنية لأبناء الجنوب.

فلولا مشاريع التحريض والتعبئة الجهوية التي يروج لها ويؤججها ويشتغل عليها لإثارة النعرات المناطقية والعصبيات الطائفية والعنصرية وإذكاء الفتن وأشعال فتيل الصراع بين أبناء الوطن الجنوبي الواحد، لما تمكن العدو من المكوث حتى اللحظة في المحافظات الجنوبية كـ حضرموت والمهرة، ولما وجد من أبنائها من يعينه ويسانده في مهمته، ولولا المشاريع الثقافية المناطقية والطائفية و… إلخ، لما تحولت محافظة أبين إلى ساحة حرب يعبث بأمنها وأبنائها أمراء الحرب اليمنيين تحت عدة مسميات.

ولولا المشاريع والاجندة المشبوهة المعدة والممولة من الأجهزة الاستخباراتية لبعض الدول المعادية لمشروع الجنوب العربي في الحرية والاستقلال، والمنفذة بأدوات محلية لما تمكن المحتل من فرض الهيمنة وإخصاع تلك المحافظات طوال هذه المدة لسيطرته، ولهذا كان لابد من إطلاق مشروع إعلامي وثقافي وطني راسخ يستوعب كل مفردات التنوع داخل الهوية الجنوبية، ويستوعب كافة الطاقات والإبداعات والمواهب والإمكانيات الوطنية، ويلم شتات الصحافة والإعلام والموروث الثقافي الجنوبي ويحول دون ضياعه وإندثاره، ويوظف جميع الطاقات الإبداعية، ويستوعب القامات الباسقة والهامات العالية وأصحاب الرأي والكلمة المناهضة لبقاء الاحتلال اليمني على أرض الجنوب، ويترجم رؤية بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية الحديثة، ويرسخ الهوية الوطنية وقيم ومبادئ وأهداف الثورة التي أطلقها السيد القائد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك عبر تأسيس نقابة للصحافيين والإعلاميين الجنوبيين، ليضطلع القلم والصوت الجنوبي بالبرامج الواقعية والشمولية والهادفة والقادرة على التصدي لمشاريع العدو المشبوهة، والتحرك الداعم لمساعي وجهود القيادة السياسية الجنوبية في المحافل الدولية والإقليمية من خلال إثارة وتحريك ملف القضية وتعزيز حضورها على كافة المستويات العالمية، واستيعاب المثقفين والكتاب والمبدعين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم واطيافهم السياسية.

ومن أجل تنشيط المشهد وتفعيل دور الصحافة والإعلام الجنوبي والسيطرة على موجهاته ومقاليده وتعزيز تواجده وحضوره واستعادة مكانته العريقة، وصناعة واقع ثقافي مساند للجهود وموازي للتوجه السياسي الهادف إلى قيم الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، وفي سبيل ترسيخ قيم ومعان ومفردات الحرية والوطن والوطنية والاستقلال والمساهمة في حل إشكالاتها، لزم تحريك المياه الراكدة في مجرى المشهد الإعلامي والثقافي الجنوبي العام، وقد عانى الإعلام الجنوبي خلال العقود الماضية من عمر الاحتلال اليمني، التضييق وتقييد الحريات وتكميم الأفواه والتي بمجملها أفقدته الكثير من الطاقة الدلالية رغم المنجزات التي حققها رواد القلم والفكر والكلمة في الدفاع عن القضية الجنوبية وإظهارها في تلك المرحلة الصعبة والظروف المعقدة والإستثنائية، ويمثل الحدث الذي شهدته العاصمة عدن في 17 يناير 2023 للميلاد، مرحلة مفصلية فارقة في تاريخ الصحافة والإعلام الجنوبي المعاصر، فهذا الحدث العظيم والأبرز كفيل بإحداث القفزة النوعية والنهضة الشاملة للحركة الثقافية الجنوبية برمتها لتواكب التطور والرقي والحداثة على جميع المستويات الدولية.

وتعرض قطاع الصحافة والإعلام الجنوبي إبان فترة الإحتلال اليمني منذ العام 1994م وما أعقبها لتعطيل وإماته وتدمير ممنهج، ونفذ ذلك النظام سياسات ممنهجة هدم لكافة الصروح والمؤسسات الإعلامية الجنوبية، وتبلدت في تلك المرحلة لغة الإعلام والصحافة والجنوبية العريقة والرائدة على مستوى الخليج والجزيرة والوطن العربي الكبير بفعل فاعل، لكنها عادت مؤخراً وبدعم سخي من راعيها الأول الرئيس القائد عيدروس الزبيدي “أبو القاسم”، أكثر قوة ونضج وجراءة وكفاءة في مناصرة الحق والوقوف ضد الباطل وحمل لواء قضية الجنوب العادلة، فمن هنا نؤكد على أنه لا يقظة إلا بتفعيل دور الصحافة والإعلام وإعادة تشغيل الأجهزة والمؤسسات الإعلامية الجنوبية الرائدة والعريقة التي لاتزال متوقفه بفعل ممارسات عصابات العدو اليمني، والسماح لها بالعودة إلى جمهورها ومزاولة نشاطها والصدوح بالحرف والكلمة الحرة والمساهمة في بناء وتشكيل وعي المجتمع الجنوبي وغسل ماتبقى من شوائب وأوساخ يمنية عالقه في جسد الجنوب.

لقد خاض الإعلام الجنوبي بإمكانياته البسيطة وقدراته المتواضعه، حرباً ضروساً في مواجهة ماكنة إعلام العدو المعززة بالإمكانيات الهائلة والضخمة وبترسانة من الأبواق الناعقة ضد الجنوب والجنوبيين، وفي عمق الأزمات المعقدة، واستطاع حل قضايا حقيقية وصعبة وشائكة، وتمكن الصحافيون والإعلاميون الجنوبيون بحهود ذاتيه وبوسائل بسيطة مقارنة بالآخرين من إيصال صوت الحقيقة وإبراز القضية الجنوبية وإظهار حق شعب الجنوب العربي في نيل الحرية والاستقلال إلى أعلى المراتب والمستويات الدولية، لذا فالصحافة والإعلام تعتبر من أهم ركائز تطوير المجتمع، ومن خلالها نستطيع تحديث قانون حركة التغيير في الطبيعة، فلا يمكن اختزال الحركة الإعلامية والثقافية في المجتمعات إلى “نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أَو ميكانيكية، وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد مقاربة ثقافية دينامية، ينظر إلى الفرد بوصفه فاعلاً اجتماعياً يؤثر ويتأثر وينفعل ويتفاعل في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، لتصبح التشكيلات الاجتماعية كخيارات الولاء والانتماء معطى يشارك الأفراد في تكوينه.

ومع هذا التصور الدينامي للثقافة، تكون الهوية بحد ذاتها كجدل إنساني واجتماعي، وتكون في ضوء هذه المقاربة صيرورة تشكل نسقاً ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين، بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي بشقيه الموروث والسائد حيث يتطورون معاً، ومن هنا تصبح حاجتنا إلى استراتيجية إعلامية وثقافية من الضرورة بمكان حتى نتمكن من إدارة معركتنا مع العدو المتربص على جميع الأصعدة والمستويات، والتهاون بهذا الأمر ليس من الحكمة فتلك القوى المناهضة لمشروع استعادة دولة الجنوب سوف تلجأ لكل أنواع وأشكال الحروب لضمان تواجدها وسيطرتها حتى على أجزاء من الرقعة الجغرافية لهذا الوطن، وستبذل كل الجهود والإمكانات في سبيل تدمير ما تبقى من قيم المجتمع التي تفرض سيطرتها عليه لتعويم مصطلحات ومفاهيم الحرية لديه للوصول إلى مبتغاها، فلنحذر جميعاً من تلك المشاريع والمخططات والتوجهات التأمرية، وعاش الجنوب بكل أبناء محافظاته الثمان حراً وأبياً وشامخاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار